شهر رمضان شهرٌ عظيمٌ؛ فهو شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النيران، وفي رمضان يُضاعف الله الحسنات ويغفر السيّئات وينزّل الرحمات، ومن نِعم الله أن جعل لعباده مواسماً للطاعات والخيرات؛ حتّى يستغفروا ويتوبوا من ذنوبهم ويتزوّدوا فيها من الحسنات، فكما أنّ للتجارة مواسم يستعدّ فيها التجّار للبيع والربح الوفير ويجهّزون ويستعدّون قبل أشهر لذلك، وهم على يقينٍ بأنّ أيّاماً قليلةً ستجني عليهم أرباحاً وفيرةً، فإنّ للتّجارة مع الله مواسم، ومن يتاجر مع الله لا ينبغي أن يغفل عنها، وشهر رمضان موسمٌ عظيمٌ للطاعة يجب على العبد أن يأمله ويدعو الله أن يبلّغه إيّاه وأن يبارك له فيه، فكم من شخصٍ حان أجله ولم يدرك رمضان، وكم من أهل القبور من يتمنّى لو يعود إلى الدنيا فيدرك رمضان ويُعمره بطاعة الله.
كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يستقبل شهر رمضان بصورةٍ خاصّةٍ؛ فلم يكن استقباله كاستقبال سائر الشهور، بل كانت له مكانةٌ خاصّةٌ عند النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وعند الصحابة -رضي الله عنهم-، وكان -صلّى الله عليه وسلّم- يُبشّرهم بقدومه؛ فقد رُوي عنه -عليه الصلاة والسلام- أنّه كان يقول: (أتاكم شهرُ رمضانَ، شهرٌ مبارَكٌ، فرض اللهُ عليكم صيامَه، تفتحُ فيه أبوابُ الجنَّةِ، وتُغلَق فيه أبوابُ الجحيم، وتُغَلُّ فيه مَرَدَةُ الشياطينِ، وفيه ليلةٌ هي خيرٌ من ألف شهرٍ، من حُرِمَ خيرَها فقد حُرِمَ)، وممّا يدلّ على عِظَم مكانة شهر رمضان المبارك في قلوب الصحابة -رضي الله عنهم- أنّهم كانوا يدعون الله -سبحانه وتعالى- ستّة أشهرٍ أن يُبلّغهم رمضان، ويدعونه ستّة أشهرٍ أخرى أن يتقّبل أعمالهم فيه، وقد كان السَّلَف الصالح -رحمهم الله- يستعدّون لاستقبال شهر رمضان بالدعاء، والتضرُّع إلى الله -سبحانه وتعالى-، لا سيّما أنّ شهر رمضان شهرٌ مباركٌ، وهو شهر القرآن الكريم، وفَتْح أبواب الجنّة، وغَلْق أبواب النار، وتصفيد الشياطين، ومن فضائل شهر رمضان العظيم أنّه شهر الصيام، والتهجُّد، والجهاد، والصبر، والدعاء؛ ولذلك ينبغي لكلّ مسلمٍ الاستعداد لاستقبال الشهر المبارك، واستغلاله بالطاعات، والعبادات، ويُمكن بيان بعض الأعمال التي يُستقبَل بها شهر رمضان المبارك .